على شط بحر المهدية : عندما يمتزج عبق التاريخ بصخب الأمواج

على شط بحر المهدية : عندما يمتزج عبق التاريخ بصخب الأمواج

المهدية.. عاصمة الفاطميين المثقلة بعبق التاريخ، والملتحفة برداء جمال بحرها الأخاذ الممتدّ على مسافة 75 كلم تشهد شواطؤها خلال فصل الصيف اقبالا منقطع النظير من مصطافين اختاروها وجهة مفضلة للتنعم بهدوئها "الحالم"، ورمالها الذهبية، وسحرها الذي لا يُقاوم.

يمثل شاطئ المهدية بواجهاته البحرية الثلاثة أحد أجمل اللوحات الطبيعية الآسرة.. ففيها يمتزج عطر التاريخ بصخب أمواج البحر المتكسرة على ضفاف "المقبرة البحرية" الفريدة من نوعها في العالم، والمشعّة بالسكينة، والهدوء الروحي.. وعلى بقايا الميناء البونيقي القديم، وعلى أسوار البرج العثماني الصامد في وجه الزمن.

"الحمرا اللّي يعُوم فيها يبرا"

وبمثابة أن تتجاوز "منارة المهدية "الشامخة يتراءى لك شاطئ "الحمراء" الصخري الخلاب الواقع بمنطقة "برج الرأس" الضاربة في القدم.. هناك التقينا العم محسن السقا أحد متساكني المنطقة، وسألناه عن سرّ هذه التسمية فأجاب: " يُقال في عهد قديم إن نبتة كانت تنمو تحت سطح الماء في هذه المنطقة، ويحمرّ لونها في فصل الربيع مما يُسبغ هذا اللون القاني على سطح البحر لذلك عُرفت عند الناس بـ"شط الحمراء"، مضيفا أن عمق هذه الجهة البحرية يتجاوز أربعة أمتار، ومياهها دائما نقية، وصافية، وصحّية تعالج عديد الأمراض المزمنة باعتبارها تقع في ملتقى تيارات بحرية مستشهدا بمقولة بقيت تتردد على مرّ الأجيال "الحمرا اللّي يعوم فيها يبرا".

تنهّد العم محسن عميقا، مستذكرا تلك الأيام الخوالي عندما كان شابا في عمر الزهور يسابق أترابه للسباحة في "شط الحمراء" صباحا، بما أن العادة في تلك الفترة كانت تسمح للنساء فقط بالنزول الى البحر فجرا، والجلوس في المياه حتى بزوغ الشمس يتجاذبن أطراف الحديث قبل أن يحين دور الرجال.. مطالبا في الأثناء السلط المسؤولة بمزيد العناية بهذه المنطقة المتميزة، والاستثمار فيها سياحيا، واستغلال مخزونها الأثري، والطبيعي الثري.

عروس المتوسط

أما في الجهة الشرقية، حيث يقع "كورنيش" المهدية الشهير، وسلسلة من أهم الوحدات الفندقية التي تقدم أرقى الخدمات للسياح الأجانب، والتونسيين فيشهد شاطؤها خلال فصل الصيف اقبالا منقطع النظير، وخاصة من متساكني ولاية صفاقس، وعدد من المدن المجاورة للتمتع برماله الذهبية الناعمة، ومياهه الصافية.. تنشط حركة العابرين.. وترتفع جلبة المصطافين مخترقة سكون المكان.. تحلّق المناطيد عاليا بألوانها الزاهية في عنان السماء.. وتتراءى لك من هناك، قوارب البحارة الساعية للرزق، والسفن السياحية بأشكالها الهندسية الجذابة تشق عُباب البحر مشكّلة لوحة فسيفسائية بطعم الفرح، وحب الحياة متحدّية الظلاميين، وصُنّاع الموت... تلك هي المهدية.. زينة المدن.. "عروس المتوسط" الرّافلة في أبهى الحُلل... بقلم أنور الغريبي - جريدة الشروق