سامي بن سلامة يعلّق على قرار إقالة وزير الداخلية: الشاهد يطلب ودّ النهضة ويتخلّص من أول منافسيه.



نزل الخبر نزول الصاعقة على البعض واستقبله البعض الآخر بكل ارتياح وتشفّ. مثّل إعفاء وزير الداخلية لطفي براهم مفاجأة حقيقية رغم تواتر المعلومات منذ أسبوع حول اعتزام رئيس الحكومة يوسف الشاهد إعفاءه من مهامه وتعويضه بأحد وزراء آفاق المتمترسين في مقاعدهم.
ويعتبر الأمر مفاجأة كبيرة بسبب شك الغالبية العظمى من المحللين في قدرة الشاهد ورغبته في فتح مواجهة مع الداعمين الأقوياء لأحد أقوى وزرائه. وهو الوزير الذي شبّه البعض مسيرته بمسيرة الرئيس الأسبق بن علي وكانوا يتوقعون ارتدائه جبّة الرئيس القادم على مهل.
تخلى الشاهد عن أحد منافسيه المحتملين في استحقاق 2019 الرئاسي وهو قرار من المرجح أن يكون اتخذه بعد التشاور مع رئيس الجمهورية. إذ من المستبعد أن يقدم على خطوة بتلك الجسامة والخطورة في غياب موافقة الرئيس العجوز الذي لن يتخلى بسهولة عن صلاحياته المتعلقة بالأمن والدفاع. فتعيين وزراء الداخلية وكذلك الدفاع والخارجية يدخل ضمن حصته من الوزراء.
انتصر الشاهد على براهم بعد أن أمعن في إضعافه، إذ رفض منذ توليه مهامه جميع التعيينات التي اقترحها الأخير. كما أنه انتهج معه سياسة "كسر العظام" بأن أجبره على قبول التخلي عن أحد أقرب مساعديه وهو المدير العام للأمن الوطني توفيق الدبابي بدون استشارته.
ورغم نجاحه اللافت في محاربة الإرهاب، فقد خسر براهم الذي ولج عالم السياسة متأخرا الكثير من شعبيته لدى الحقوقيين والمهتمين بالشأن العام. كان ذلك لافتا بعد مواقفه الأخيرة حول إغلاق المقاهي في رمضان وخاصة إثر التبريرات غير الموفّقة التي ساقها صلب مجلس نواب الشعب والتي كانت مخالفة للدستور ومعادية للحريات. 
تحدث الوزير المقال في خطوة اعتبرها البعض تقربا من حزب حركة النهضة عن أقلية مفطرة وأغلبية صائمة بدون أدنى اعتبار لمبدأ حرية الضمير ولخطورة مواقفه على مستقبل الحريات في البلاد. وسنّ سابقة سيئة في تأويل الدستور بمنطق حسابي لا يراعي مبدأ الحرية وحماية الدولة لحقوق جميع المواطنين وإن كانوا يمثلون أقّلية.
لم يشفع له ذلك لدى حزب الحركة الذي اعترض أساسا على مبدأ تعيينه منذ البداية. كانت النهضة من أشد المطالبين برأسه لدى يوسف الشاهد وهو ما يبدو أن الأخير خضع له وهو الواقع منذ تعيينه تحت سيطرتها المطلقة بعد أن أحاطته بمستشارين من صلبها.
نجح براهم في محاربة الإرهاب وهو ما جلب له انتقاد مجموعة من مساندي الإرهاب ومبيضيه داخل مجلس نواب الشعب وخارجه. ويعتبر عزله بتلك الطريقة يوما تاريخيا إذ حقق هؤلاء النصر الذي كانوا يبشرون به منذ زمن طويل.
فشل براهم في بناء صورة رجل الدولة والسياسي الذي يمكن الإعتماد عليه مستقبلا في الاستحقاقات المقبلة وخرج من الباب الصغير.
لن يُذكر له نجاحه في لجم النقابات الأمنية وإخراجها من مجال الفعل السياسي والإعلامي تدريجيا. ولو أنه اتهم كذلك بالتفاهم مع تلك النقابات والاستحابة لمطالبها والتنسيق معها للإفلات من المحاسبة والعقاب.
ولا يعلم إلى الآن ما سيكون عليه موقف تلك النقابات بعد عزل ابن الحرس الوطني بتلك الطريقة المهينة.
عيّن الشاهد أحد وزراء حكومته كوزير للداخلية بالنيابة. وهو ما يبين أنه لم يُعدّ نفسه كما يجب لمرحلة ما بعد إقالة براهم أو أن خلافا ما مع رئيس الجمهورية مداره الاتفاق على أحد الأسماء أجبره على عدم تعيين وزير جديد.
ذهب عدوّ حزب حركة النهضة الأول بدون رجعة وخسر الموقع الذي كان ليمكنه من الصعود أكثر في مراتب الحكم وعين مكانه غازي الجريبي وزير العدل الحالي والرئيس الأول للمحكمة الإدارية زمن بن علي. وهو من نوع الوزراء الإداريين ممن يتولون المناصب ولا يتخذون مواقف ولا يثيرون بالتالي مخاوف أي كان.
معروف عن الجريبي تعاونه مع حركة النهضة والالتزام بعدم احراجها وهو من الوزراء المضمونين القادرين على جعل وزارة الداخلية أخيرا في حكم "مضمونة" مرة أخرى.
لا يخلو قرار الشاهد بعزل براهم من مخاطرة. وهو قرار وإن كان من بين صلاحياته الدستورية إلا أنه يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن حزب حركة النهضة داعمه الوحيد للبقاء في منصبه قد نسج حوله شبكة "أمان" ستمكنه من نيل أكبر حصة في أي تحوير وزاري قادم.
خضع الشاهد تماما للحركة وعمّق الخلاف بينه وبين بقية مكونات المشهد السياسي وهو ما يجعلنا ننتظر انتقال معركة "كسر العظم" إلى مرحلة أخرى أكثر خطورة. معركة قد تنتهي إما بعزله هو ذاته وإما بتحقيق طموحه بتولي رئاسة الجمهورية سنة 2019 كمرشح لحركة النهضة.
انتصر الشاهد على غريمه الأول صلب الحكومة وربح بعض النقاط في سباق لا زال طويلا نحو قرطاج. وحقق في الوقت ذاته رغبات الحركة الداعمة له ولكنه فتح على نفسه أبواب جهنم. 
وهو ما يجعل البلد يدخل مرحلة جديدة من الصراع قد تنجر عنه أسوأ العواقب. انتصر الشاهد في معركته الشخصية ولنا أن نتساءل اليوم وغدا متى ينتصر لتونس ويغير من واقعها؟