المهدية: بين المصبات العشوائية و" الأوناس": حصار برّي وبحري يحبس الأنفاس .



كلّ الدول تسعى بطريقة أو ما إلى  إعادة إعمار مدنها و الإرتقاء بمستوى المعيشة فيها و توفير مناخ مستطاب للمواطنين.
في تونس لا نرى إلاّ عكس ذلك، فبعد الثورة تحوّلت معظم المدن إلى ما يشبه البوادي القاحلة، و الجميلة منها إلى مدن أشباح تجثم عليها المناظر المزرية المدّعية للإشمئزاز، وتحولها من مناطق مضيئة ملئية بالحياة إلى مناطق مقزّزة ومقرفة، ومنها المهدية والمناطق المجاورة لها، كرجيش وسلقطة...
هذه المناطق، لا يكفي أنّها محاصرة برّا بمصبات عشوائية متناثرة على تخومها قضت مضاجع المواطنين  لما تسبّبه من روائح كريهة وتلوّث بيئي غير مسبوق نتيجة حرق الفضلات من قبل " البرباشة ".. بل تجاوزت ذلك إلى البحر عبر قنوات التطهير التي تصبّ مباشرة في البحر على مستوى مدينة رجيش ليتحوّل البحر اللازردي الجميل مع أوّل هبوب لرياح شرقية إلى ما يشبه المستنقع العفن المليء بالفضلات الآدمية مع ما يحمله من أوساخ وجراثيم  يمكن مشاهدتها بالعين المجرّدة في بحر رجيش و الدويرة والمناقع هذه الأيام، الشيء الذي عجّل بهروب المصطافين و هجرهم البحر خوفا على صحّتهم خاصّة وأنّ من يسبح في هذه المناطق يتعرّض إلى إفرازات تتسبب في " حرقة " و " حكّة " في الجسم يظنّ البعض أنها لسعة " حريقة " وهيّ بريئة من ذلك، عدا ما تسبّبه من هجر للأسماك و نفوق بعضها وقضاء على الثروة البيئية البحرية.
بحر المهدية، أصبح مهدّدا بالتلوّث، نتيجة سوء تقدير المسؤولين وغياب النظرة الاستشرافية ولامبالاتهم بما تسبّبه بعض المشاريع المرخّص لها على غرار الاقفاص العائمة لتربية سمك التن والتي عادت للانتصاب في بحر سلقطة في الآونة الأخيرة، أو كذلك المشاريع العمومية على غرار محطات التطهير التي تصبّ في البحر بكل ما فيها من مخاطر لا تحصى تهدّد أجمل الشواطئ التونسية.
فأين المجتمع المندي ممّا يحصل في هذه المناطق؟ وماهو دور الجمعيات البيئية بالتحديد إذا لم تكن تصبّ في خانة حماية البيئة والمحيط من مثل هذه المخاطر؟ وكيف يسكت المسؤولون في المهدية عن مثل هذه الجرائم في حق المنطقة والمواطنين فيها؟