المهدية : في بلاد الحوت .. السمسار يعيش وقليل الجهد يموت

حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت

كانت المهدية في السنوات الفارطة إحدى أهم الولايات انتاجا للأسماك في تونس خاصة السمك الأزرق، بأسطول بحري قوامه حوالي 1600 وحدة، ونسبة انتاج تقدّر بين 50-55 في المائة من الانتاج الوطني. أمّا اليوم، فقد تراجع هذا الانتاج، و أصبح  قطاع الصيد البحري في المهدية يعيش صعوبات كبيرة تتعدّد فيها الأسباب وتختلف لكن يبقى ترهّل الاسطول البحري وارتفاع المحروقات وكلفة الصيانة من بين أهم الأسباب المساهمة في تدنّي نسبة الانتاج.

أسعار من نار

عكس ما يظنّه البعض من أنّ أسعار الأسماك في المهدية منخفظة مقارنة بالمناطق الداخلية للجمهورية التونسية، فالحقيقة هيّ أنّ الأسعار مرتفعة مقارنة بمناطق أخرى منتجة للأسماك، ولا أدلّ على ذلك من الارتفاع الجنوني لسعر الأسماك الفصلية على غرار " الاميلة " 20د و الوراطة ( الورقة) 30د و القاروض 27د - 40د و الكالامار 25د وحتى " القرنيط " وصل سعره إلى 23د بعد أن كان يهدى دون مقابل أو بسعر زهيد لا يتجاوز 10د في السنين الفارطة. هذا دون أن نتحدّث عن الأنواع الأخرى من الأسماك الكبيرة على غرار الدنديق والمناني و الجغالي.. فمجرّد سماع ثمن الكيلوغرام سوف تشعر بالإحباط ..؟

المحتكرون و التصدير في قفص الاتهام

صحيح أن عوامل عدّة ساهمت في ارتفاع أسعار الأسماك في المهدية، لكن تبقى ظاهرة السمسرة والاحتكار أهمّها، فالبحّار كان لا يجد صعوبة في توزيع منتوجه و بيعه حتّى " للوكّال " المواطن العادي بالسعر الذي يريده، وفي معظم الأحيان بسعر مقبول، لكن مع ظهور السمسارة والمحتكرين الذين وضعوا أيديهم على كلّ شيء، أصبحت رقبة البحاّر تحت سيوفهم، فهم من يتحكّمون في السعر، وهم من يرفعون من شأن هذا، ويقلّلون من شأن ذاك، حتّى أنه باستطاعتهم القضاء على أي بحّار لا يرضخ لميولاتهم مهما علا شأنه. فهم قادرون على الاستحواذ على كامل المنتوج والتصرّف به بالجملة سواء بتوزيعه في الأسواق أو بتحويله إلى إلى معامل التحويل والتصدير.

حلول مسمومة

أمام الصعود الصاروخي لأسعار الأسماك وجد المواطن البسيط نفسه أمام خيار وحيد وهوّ تحويل وجهته نحو أسماك الأقفاص العائمة " المربية " نظرا لسعرها المنخفض مقارنة بالأسماك الطبيعية، حل قبله المواطن على مضض رغم علمه مسبقا بالمخاطر التي قد تفرزها هذه الأسماك على صحته بسبب المواد الكيميائية المعتمدة في تسمينها.

" حوت ياكل حوت وقليل الجهد يموت " وهذا حال المواطن التونسي الذي لم يعد قادرا على تأمين قوته فما بالك بمسائل أخرى ؟