سامي الفهري المارد الذي يزعج ..! بقلم صالح عطية

سامي الفهري Sami Fehri

"لا يشك اثنان، ولا يتناطح عنزان"، كما يقول المرحوم محمد الطالبي، بأنّ سامي الفهري، بات مستهدفا بالإقصاء من المشهد الإعلامي في بلادنا، وقد يتجه الأمر إلى سجنه، وغلق قناته، قناة الحوار التونسي.
لا يملك سامي الفهري، حزبا أو ماكينة سياسية أو نقابية أو لوبيات، ولم يدخل الرجل على خطّ مصالح البعض من الساسة أو اللوبيات ولم يقم بدور الزبوني لأحد..
فقط، يملك الرجل قناة، ورؤية مهنية وربما سياسية، وهو حرّ في ذلك، والقانون لا يجرّمه على خلفيته السياسية، طالما أنه لم يعلن أي انتماء لحزب أو طائفة أو مكوّن سياسي..
يمتلك سامي الفهري، قدرة عجيبة على صنع الحدث، وعلى صناعة رأي عام، وعلى جلب انتباه المشاهدين، حتى الذين يختلفون معه، ينتقدونه في الصباح، ويشتمونه في المساء، لكنهم لا يملكون إلا أن يشاهدوا ما يبثّ، لأنه يبثّ ذلك بحرفية و"صنعة"، سواء تعلق الأمر بالبلاتوهات السياسية، أو بالأعمال الدرامية، أو بالمنوعات.
لقد فرض الرجل "بضاعته" على الجميع، دون أن يضطرهم للمشاهدة، لكنّه أرغمهم على ذلك، بحكم الحرفية والخيال التلفزيوني، والقدرة على التجدد والإبداع..
والذي ينظر بإنصاف إلى جميع التلفزات التونسية، يدرك أنّ الرجل أثر فيها، في مستوى التصور والأسلوب والنهج، بحيث يجد المرء كل القنوات تقريبا، إذا استثنينا اثنتين على أقصى تقدير، تتضمن برامج كان الفهري أول من أنتجها بتلك الصورة والكيفية، وباتت اليوم تنقل من هذا وذاك، لأنها جالبة لنسب المشاهدة، ومن ثمّ للإشهار..
على العكس من ذلك، الذين لم يستطيعوا أو لم يرغبوا في الاستفادة من إبداع الرجل و"هندسته" التلفزيونية، ظلوا في ذيل قائمة نسب المشاهدة، رغم ما يتوفرون عليه من إمكانات مالية وتقنية هائلة.
باتت قناة الحوار التونسي، ذلك القطار الذي يجرّ خلفه بقية العربات الأخرى، رغم أنّه لم يطلب منها ذلك..
بل باتت إحدى علامات ومؤشرات النجاح، هو "النسخ المجاني" عما ينتجه سامي الفهري، طبعا مع بعض الإضافات القليلة، والاجتهادات المحدودة.
لم يدعي سامي الفهري مطلقا، أنّه الأفضل في المشهد، بل كان دائم العمل والإنتاج في صمت، وكان الجميع يحاول الاستفادة منه بشكل أو بآخر، نظرا لقدرته على إنتاج ما يمكن مشاهدته بكيفية كبيرة وواسعة ودائمة.
يبقى سامي الفهري من هذه الزاوية مشاكسا، ومزعجا، خصوصا للذين تعودوا على "سياسات الضبط" ولم يجدوا ما يمكن أن "يضبط" في عمله، فلجأوا إلى تهديده بالسجن، لأنّ الغاية باتت واضحة، التخلص من هذا "الفتى المشاكس"، الذي أحدث بكل المقاييس المهنية والمعرفة التلفزيونية، "ثورة" في المشهد البصري في تونس، ولكن أيضا في الجزائر والمغرب، وربما ليبيا غدا.
لذلك، فإنّ قرار تحجير السفر عليه وعلى زوجته، لا يمكن أن يكون إلا قرارا سياسيا، مهما تلوّن بلون قضائي أو دائرة قانونية برئاسة الحكومة.
وشخصيا أعلم علم اليقين، من يقف وراء هذا القرار، ومن دفع بهذا الاتجاه، ومن اختار التوقيت، لأنّ "قضية الفهري" المنشورة لدى القضاء، كان يمكن حسمها بسرعة وفي سنوات قليلة، لكنّ الإبقاء عليها إلى الآن، لا يمكن أن يشير، إلا لوجود "إنّ وأخواتها" في هذا الموضوع، وربما الأدهى وأمرّ، أن تكون لــ "إنّ" هذه، أخوات كثيرات، لا يحصيها إلا ذوي النسب والعلاقة بأخطبوط القضاء والحكم ودهاليزه ومخازنه التي لا تطبخ إلا ما هو ضدّ مسارات النجاح، وإن اختلفنا مع سامي الفهري في الرؤية والتقدير والتصور والأفق.
للأسف لن يجد سامي الفهري، أحزابا تقف إلى جانبه، ولن يجد "هايكا" تسنده، ولن يجد نقابة الصحفيين تصدّ عنه الضرر، فقط لأنّ هؤلاء جميعا، يرغبون أو يتمنون أو يحرصون على التخلص من هذا المارد، الذي تستعطفه قيادات سياسية للحضور في منبره، وتحيك له من جانب آخر، عملية الزجّ به في السجون.
لست من فئة المؤمنين بالمؤمرات، لكنّ استهداف سامي الفهري الذي خرج من جلباب كاكتوس، وبنى له مؤسسة جديدة، ما أزعج كثيرين، الذين "تحالفوا" ضدّه من أجل إعادة توزيع الأوراق في المشهد الإعلامي، بشكل تصعد قنوات أخرى، ويظهر غيرها، مقابل ذبول قناة الحوار التونسي، واندثارها تدريجيا من المشهد..
للذين هم بارعون في المؤامرات، وفي البحث عن "كان وسليلاتها"، أعلمهم، أنني لم أقابل سامي الفهري ولو لدقيقة واحدة في حياتي، ولم تكن لديّ معه أية علاقة مهما كان نوعها، فالشيطنة سبقتني قبل أن تلحق به، ولذلك انا أكتب هذه الأسطر، من منطلقات مبدئية صرف.
إنني أدافع عن مبدع يستحق أن نحيي فيه شجاعته وإقدامه وفكره الخلاق، في بلد أنجز ثورة لكي يفتح المجال للطاقات، وليس لتطويق المجالات أمام المبدعين.
ما زلت على ثقة بأنّ القضاة سيتدخلون لحماية مهنتهم النبيلة، من محاولات الزجّ بها في حروب بالوكالة، مع يقيني بأنّ القضاء ماض في الدفاع عن حقّه في الإستقلالية عن بقية السلطات.
تحية إلى سامي الفهري..
تحية إلى الزملاء العاملين معه في كل ركن وناحية..
تحية إلى الصحفيين الأحرار الذين عليهم أن يهبوا دفاعا عن الصروح الإعلامية في بلادنا، دون حسابات ضيقة..