قصور الساف : " المقلوبة " مدينة الكنوز المنهوبة

قصور الساف : " المقلوبة " مدينة الكنوز المنهوبة

كان لمنطقة " آجار" أو " المقلوبة " كما تعرف اليوم والواقعة على بعد كيلمترين من مدينة قصور الساف  دورا استراتيجيا هامّا وعلاقة وطيدة ببناء نواة  الحضارة الرومانية الأولى وازدهارها في مدينة سلقطة  العاصمة التجارية ومركز الثقل الاقتصادي.

فتاريخ هذه المدينة يعود إلى الحقبة الرومانية ويرجع تسمّيتها بـ"المقلوبة" على خلفية تعرّضها إلى طوفان كبير قلبها رأسا على عقب وحوّلها إلى ركام أو ما يشبه المرتفع الأرضي حسب بعض المصادر التاريخية التي أكّدت أنّها كانت واجهة خلفية لمدينة سلقطة التي ذاع صيتها خلال الحقبة الرومانية، كما شكلت عبر فترات مهمة من التاريخ، إحدى أهمّ المناطق الصناعية والحرفية التي يتمّ فيها تصنيع مختلف الأدوات الحرفية والتجميلية المستخدمة في الحياة اليومية مثل الجرار والقناديل والسيراميك والفسيفساء.. ليتم تصديرها عبر ميناء سلقطة التجاري إلى مدينة "أوستيا" الإيطالية حسب الشراكة القائمة بين المدينتين في ذاك الوقت وهذا ما تؤكّده وثائق ونفائس أثرية تمّ العثور عليها في "أوستيا" تبرز عمق التواصل بين المدينتين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

أكبر الأفران في العالم

 مدينة " المقلوبة" اختصّت كذلك في صناعة الجرار وتحتوي على أكبر تجمّع للأفران في تونس والعالم وهذا ما يظهر من خلال بقايا الآثار الظاهرة للعيان اليوم  وهيّ عبارة عن أفران كبيرة وشبكات وصهاريج كانت تستعمل لجلب المياه بالإضافة إلى عديد البناءات القديمة والآثار المنتشرة عبر مساحة كبيرة من الأراضي المهملة والمعرّضة للسرقة والنهب.

حفرياّت تحت جنح الظلام

رغم موقعها المميّز وثراء مخزونها الأثري إلاّ أنّ " المقلوبة "  وكغيرها من المناطق القيّمة والزاخرة في مدينة قصور الساف على غرار سلقطة والعالية و"هنشير الشقاف" و" الرومّانية" و " طرّس" مهملة ولا تحظى بأيّ اهتمام يذكر كما لو أنّها ليست جزء من الرصيد التراثي والأثري في جهة ظلّت طيلة عقود معرّضة للإهمال والتخريب والسرقة من خلال حفريات ليلية انغمست فيها عصابات منظّمة يقول أهالي مدينة قصور الساف إنّ وراءها بعض المسؤولين في العهد البائد حسب أدلّة متوفّرة وشهادات حيّة عن عملياّت تنقيب ليلية بحثا عن الآثار والكنوز  المقبورة تحت الأرض، ومثل هذه العمليات لازالت إلى اليوم متواصلة، على حد تعبيرهم.

من المسؤول عن حماية المواقع ؟

من يوم إلى آخر يتفاجأ مواطنو جهة المهدية بظهور مواقع جديدة لم تكن ظاهرة للعيان أو معروفة نتيجة عمليات الكشف والنهب التي تتعاطاها هذه العصابات بالإضافة إلى أخرى ساهمت في كشفها العوامل الطبيعية على غرار المقبرة " البونيقية " التي تمّ اكتشافها بعد إعصار ضرب شواطئ مدينة رجّيش منذ سنوات والشبيهة بمقبرة سلقطة وكذلك قصر العالية و القلعة الفاطمية وهي من بين أهم المعالم التي لم يقع كشفها بالكامل ومثلها كثيرة ليبقى السؤال مطروحا: متى تحظى جهة المهدية بالاهتمام اللازم في جهة تتوفّر على مخزون أثري يمكن أن يمثّل عاملا أساسيا لدفع التنمية بالجهة.