اكتشاف « مقبرة جماعية » جديدة في المهدية وانتشال جثث مجهولة ..!

اكتشاف « مقبرة جماعية » جديدة في المهدية ..!

إنّ مصير جثث المجهولين الذين يتم إنتشالهم من البحر أسبوعيا في سواحل المهدية، وأغلبهم من جنوب الصحراء، يثير جدلا لدى المتابعين والنشطاء الحقوقيين، جثث كان يفترض أن يتم دفنها بطريقة تحفظ الكرامة وبطريقة انسانية ولائقة بعد ترقيمها ورفع الحمض النووي منها تحسبا للمطالبة باسترجاعها من بلدانها الأصلية أو من أفراد العائلة حسب ما تقضيه المعاهدات الدولية المنظمة لذلك، فكيف تم التعامل مع جثث المجهولين،ضحايا الهجرة الغير نظامية، في سبتمبر الماضي في المهدية؟

لا يمر أسبوع واحد في سواحل ولاية المهدية دون استخراج جثث مهاجرين لقوا حتفهم في رحلات هجرة غير نظامية إنطلقت من تونس أو ليبيا، يتم استخراج الجثث من قبل البحارة بعد استشارة وحدات الحرس البحري أو استخراجها مباشرة من قبل الوحدات العائمة للحرس أو الجيش أو الديوانة، في أوائل شهر سبتمبر الفارط، انتشل البحارة ووحدات الحرس البحري والديوانة أكثر من 20 جثة قبالة سواحل الشابة وملولش وسلقطة، وهم ضحايا رحلة هجرة غير نظامية انطلقت من سواحل صفاقس تضم 67 شخص من أصول افريقية جنوب الصحراء ونجى من الرحلة القاتلة 3 ذكور وامرأة بعد تمكنهم من الصمود والسباحة لثلاثة أيام متتالية،

و بعد المعاينة من قبل ممثل النيابة العمومية بالجهة تم نقل الجثث مباشرة إلى قسم التشريح بالمستشفى الجامعي الطاهر صفر بالمهدية لتستقر بعد المعاينة وتحديد أسباب الوفاة والتأكد من جنس الجثّة وربّما جنسيتها، تستقر في ثلاجة المستشفى في انتظار تسليمها للعائلة إن تم الإستدلال على هويتها أو دفنها حسب شروط وقوانين محكمة وحسب اتفاقيات دولية أمضتها بلادنا في هذا الصدد، وينص الفصل 15 من القانون عدد 12 المؤرخ في 25 فيفري 1997 والذي يتعلق بالمقابر وأماكن الدفن أن رئيس البلدية أو الوالي يتولى السهر على ضمان دفن الجثث المجهولة الهوية التي يتم العثور عليها التي لم يتقدّم أحد للتعهّد بها وذلك بعد إستيفاء إجراءات الأبحاث العدلية.

تزامن يوم دفن جثث مجهولين في ولاية المهدية مع يوم التلقيح الوطني ببلادنا في شهر سبتمبر الفارط، وبعد الغروب وصلت شاحنة رفع فضلات تابعة لبلدية المهدية إلى مقبرة الشابة (35كلم جنوب مدينة المهدية) وأنزلت 10 أكياس تحوي جثث مجهولين، أحد الأكياس تضمن جثة كهل ورضيع، وتم حفر خندق لا يتجاوز عمقه 80 صم وتم رمي الأكياس في الخندق وردمها بالتراب باستعمال جرافة البلدية دون الفصل بين القبور أو تحديدها ودون الحد الأدنى من احترام كرامة الذات الإنسانية, لم يتم ترقيم أماكن الدفن ولا تحديد مواقع الجثث، ولا يمكن دفن الجثث ليلا إلاّ في حالات استثنائية وبترخيص من مسبق من رئيس الجماعة المحلية في مرجع النظّر (الفصل 9 من أمر عدد 1326 لسنة 1997)،

تمت عملية الدفن ليلا ولا يعلم الأهالي أو الزائرون للمقبرة أن أكوام التراب ليست إلاّ مقبرة جماعية يرقد فيها ضحايا غرقوا في رحلة بحرية قاتلة في البحر المتوسط، وتتم عمليّة الدفن بعد إعداد قبور منفصلة وفي عمق يتجاوز المتر لاحترام تراتيب الصحة المعمول بها، واسناد رقم لكل قبر يمكن الاستدلال به لاحقا على هوية صاحب الجثة عند الاستظهار بالحمض النووي، فيمكن لذوي الشخص المدفون المطالبة باسترجاع الرفاة بعد التحليل الجيني والتأكد من هوية الجثّة على أن يكون ذلك بترخيص من وزير الداخليّة حسب (الفصل 17 من قانون 12 لسنة 1997) ، هذا وتتم عملية الدفن حسب التشريع الإسلامي إذا لم تتوفّر المعطيات حول ديانة الضحيّة، وتتولى البلدّية الراجعة لها المقبرة بالنظر تسلّم ورقة فوقية خاصة بها وتسجيل ترقيم الجثث في دفتر خاص مفتوح للغرض في كلّ بلديّة، ويتضمن الدّفتر كل القبور الموجودة بالمقبرة مع أسماء المدفونين أو ترقيمهم وفقا لأعداد رتبيّة مع ذكر تاريخ الدّفن. (الفصل 11 من الأمر عدد 1326 لسنة 1997 المتعلق بكيفية إعداد القبور وبضبط تراتيب الدفن)،

وحسب المعطيات التي تمكنا منها فإنّ بلدية الشابة لم تسجّل في دفاترها أيّ عملية دفن لمجهولين ولم تصدر أي إذن بالدفن في ذلك وهو ما يمثّل خرق قانوني خطير جدّا يعاقب مرتكبه بالقانون،

كانت عملية الدّفن عاديّة حتّى دقّقنا في الاجراءات القانونية والمعاهدات والأوامر والنصوص المنظّمة لذلك، فاندهشنا من هول التجاوزات والعبث بالكرامة الإنسانية، قوانين وتراتيب يتم احترامها في كل دول العالم وتُستثنى في ذلك بعض بلدان النزاعات المسلّحة، فهل صارت تونس أرض نزاع مسلّح تُنتهك فيها كرامة الإنسان وتُقام فيها المقابر الجماعية على شاكلة مقابر الحرب العالمية الثانية.

بقلم : نزار بن حسن