المهدية : الفقر والبطالة والهجرة غير النظامية.. مشاكل مشتركة بكلّ الدوائر الانتخابية رغم توفّر مكامن استثمارية مشجّعة

المهدية : الفقر والبطالة والهجرة غير النظامية.. مشاكل مشتركة بكلّ الدوائر الانتخابية رغم توفّر مكامن استثمارية مشجّعة

تتصدّر مشاكل الفقر والبطالة والهجرة غير النظامية قائمة المشاكل التي تعانيها مختلف معتمديات ولاية المهدية نتيجة غياب التنمية في عدد هام منها وتباطئها في عدد آخر، وذلك رغم توفرها على مكامن استثمارية مشجعة أهمّها شريط ساحلي بطول 75 كلم بالإضافة إلى قربها من الطريقة السيارة.
وتتّسم ولاية المهدية، التي تعد 1ر445 ألف ساكن وتمتد على مساحة 2878 كلم مربع، بعمق ريفي كبير يصاحبه اهتراء أو غياب للبنية التحتية، ونقص في الاستثمارات العمومية والخاصة، ما رفع من نسبة الفقر إلى 25 بالمائة والبطالة إلى 11 بالمائة.
وقد خضعت معتمديات الجهة الـ 13 إلى تقسيم انتخابي استعدادا للانتخابات التشريعية المزمع تنظيمها يوم 17 ديسمبر المقبل أفضى إلى إحداث 6 دوائر انتخابية هي دائرة المهدية ودائرة الجم ودائرة السواسي وبومرداس، ودائرة سيدي علوان وملولش والشابة، إلى جانب دائرة شربان واولاد الشامخ وهبيرة، ودائرة البرادعة وقصور الساف ورجيش.
وحسب هذا التقسيم، تعود أعلى معدلات الفقر إلى الدائرة الانتخابية شربان - أولاد الشامخ - هبيرة لتبلغ على التوالي 9ر36 و35 و4ر33 بالمائة وهي من بين النسب الأعلى وطنيا وفق إحصائيات المندوبية الجهوية للتنمية.
من جهة أخرى، خفّف توفر 5 مناطق صناعية (المهدية، وقصور الساف، والجم، والسواسي، وطريق بومرداس)، إلى جانب 148 مؤسسة صناعية منها 96 مصدرة كليا، من تطوّر نسبة البطالة في الجهة، غير أن هذه المنشآت تظلّ غير قادرة على استقطاب اليد العاملة من جميع المعتمديات لبعد المسافة وتدني نسبة التشغيل.
ويعيق عدد من الإشكاليات إحداث المناطق الصناعية بالجهة ومنها تغيير صبغة الأرض، ونقل الملكية، والربط بشبكة التطهير، في انتظار أن تعمل الوكالة العقارية الصناعية على مراجعة مشروع إحداثها بما يسمح بتجاوز هذه الإشكاليات الهيكلية.
ويلاحظ تفاوت تنموي هام بين بعض المعتمديات التي تنضوي تحت نفس الدائرة الانتخابية ومنها دائرة سيدي علوان - ملولش - الشابة (أكثر من 96 ألف ساكن) إذ تغيب في معتمدية ملولش الكثير من الخدمات الأساسية على غرار غياب فرع بنكي أو فرع لصندوق الضمان الاجتماعي وغيرها.
وترتكز أغلب الأنشطة الاقتصادية بملولش وسيدي علوان بالقطاع الفلاحي، الذي يستقطب عددا هاما من صغار مربي الماشية الذي يملكون بين رأسين وثلاثة رؤوس من البقر الحلوب وهو نفس نشاط حوالي 30 ألف إمرأة ريفية في كامل ولاية المهدية (من جملة 45 الف امرأة ريفية بالجهة)، فيما تستفيد معتمدية الشابة، في المقابل، من ميناء للصيد البحري (4000 بحار) وسواحل مهيأة لاستقبال أعداد متزايدة من السياح والزوار إلى جانب الاستثمار الخاص ما خفض مستوى الفقر فيها إلى 5ر15 بالمائة.
وتظلّ معتمدية المهدية (دائرة انتخابية) صاحبة نصيب الأسد من المجهود التنموي إذ تتوفر على منطقة صناعية، وحوالي 29 وحدة فندقية توفر أكثر من 4 آلاف موطن شغل مباشر، زيادة على ميناء للصيد البحري يشغل 2600 بحار.
ومع ذلك لم تتمكن هذه الدائرة من الاستفادة القصوى من هذه الميزات، حيث تعاني من مشكل بيئي متواصل يتمثل في غياب مصبات النفايات المراقبة وارتفاع منسوب التلوث الذي أثّر على الحياة البحرية بعد أن طال سواحل معتمدية رجيش، فضلا عن تعطّل المشروع السياحي المندمج بسبخة بن غياضة الذي من المؤمل أن يساهم في استقطاب أعداد هامة من اليد العاملة والمؤسسات الخدمية.
ولئن تتميز جهة المهدية بمنظومة فريدة في مجال إنتاج الحليب من خلال اشتمالها على مركزية صناعية، و26 مركز تجميع، و40 الف مربي يتحوزون على حوالي 600 رأس أبقار، إلا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج ومن بينها أسعار الأعلاف باتت عاملا منفرا لتعاطي هذا النشاط.
كما تسبّب الارتفاع المطرد لأسعار علف الماشية، منذ 2019 حتى 2022، في تفريط العديد من المربين في قطعانهم، بينما اضطر البعض الآخر لبيع جزء من ماشيته لتغطية تكاليف تربية الجزء المتبقي.
وفي هذا الإطار طالب صغار المربين، في احتجاجات وأيام غضب أفضى بعضها إلى مواجهات بين قوات الأمن والفلاحين خاصة بمنطقة أولاد جاب الله من معتمدية ملولش، بكبح شركات تصنيع العلف، إلى جانب الترفيع في سعر الحليب عند الإنتاج بما يضمن ديمومة القطاع.
وفي سياق متّصل، تمثّل الزياتين، وعددها 7ر5 مليون زيتونة تمتد على مساحة 160 ألف هكتار (65 بالمائة من مساحة الأراضي الزراعية بالجهة) وتنتج سنواي 100 ألف طن من الزيت، أحد أهم القطاعات المشغلة إذ توفر حوالي 2 مليون يوم شغل خلال موسم الجني.
بيد أن هذا القطاع تضرر، خلال السنوات الأخيرة، من تراجع مستوى التساقطات المطرية والتي تراوحت بين 260 و360 مليمتر بالمناطق المحاذية للبحر، وبين 150 و300 مليمتر في المناطق الداخلية، ما أدى إلى تراجع الصابة وبالتالي أيام الشغل.
وتعاني المهدية، من جهة أخرى، من مشاكل كبيرة على مستوى قطاع الصحة إذ تضمّ 12 مؤسسة صحية بين مستشفيات جهوية ومحلية وجامعية تتوفر على إجمالي على 707 أسرة ( 6ر1 سرير لكل مائة ألف ساكن) إلى جانب 119 طبيب بالقطاع العام، وسجّل أدنى عدد للأطباء بشربان بـ3 أطباء و5 في كل من سيدي علوان وأولاد الشامخ وهبيرة.
وأمام غياب حزام صحي أوّل (المستشفيات المحلية) مؤهل، يعاني المستشفى الجامعي الطاهر صفر من اكتظاظ أرّق المرضى وذويهم وأثقل كاهل الإطار الطبي وشبه الطبي.
وأمام غياب مقوّمات التنمية وارتفاع نسب البطالة، عرفت الجهة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، ارتفاعا نوعيا وكميا في عمليات الهجرة غير النظامية، ما جعل من سواحل المهدية المقصد الأول وطنيا لرحلات الموت والتي باتت تشمل العائلات والنساء والحوامل والأطفال.
وفي هذا الصدد، سجّلت قوات الحرس البحري بالمهدية رقما قياسيا، خلال شهر أوت المنقضي، بإحباط 170 عملية هجرة سرية وضبط 3500 مجتازا من بينهم 900 تونسي و2600 من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
ويعود تطور عدد رحلات الهجرة غير النظامية إلى ركود سوق الشغل خاصة بالنسبة لفئة الشباب، وتدني مستوى المعيشة، وعدم قدرة العائلات على مجابهة تكاليف العيش لضعف العائدات أمام الارتفاع المتواصل للأسعار، إلى جانب غياب المشاريع والاستثمارت المشغّلة.
* مصدر الخبر : وات