في أرياف المهدية.. معوقون بين مطرقة التهميش وسندان تجاهل الجهات الرسمية

http://img.webme.com/pic/u/up-pic/camp.mahdia.jg.jpg 

راديو مهدية / بقلم خليفة السويح : ازال الريف بيئة عتيقة تسودها المظالم والمآسي ويتجرع أهلها في صمت المهانة والذل وتنتشر فيه مظاهر العطش التنموي. وإذا كان المخيال الجماعي قد دأب على وصم  الإنسان الريفي السليم والمعافى بقاموس غني بأصناف من الشتائم تنضح احتقارا وتهميشا وغبنا فما بالك بمن عطبت الحياة حواسهم وهم المعاقون أو ذوو الاحتياجات الخصوصية الذين لا طالما مثلت العناية  بهم جزءا من الجوقة الإعلامية المخادعة للنظام النوفمبري
الصباح» تجولت في أرياف ولاية المهدية لتنقل نموذجا لمعاناة الأطفال والمعاقين وكفاح عائلاتهم في ربوع الأرياف المفقــّرة.
معوقون عاجزون
فريال بن حميدة ذات الـ14 سنة القاطنة بالقواسم الشرقية (شربان) تشكو من إعاقة عضوية وذهنية وهي مقعدة عاجزة عن الحركة لم تهبها الحياة غير يد وحيدة تأكل بها فقط سلاحها البكاء والنحيب. جفت مآقي العين وتمزق القلب.. صدحت الأم التي التهبت نظراتها حنانا وهي تروي مأساة ابنتها التي لازالت تعيش لحد الساعة بالحفاظات وتتكفل العائلة بإحاطتها ورعايتها ولم تمنحها الدولة حسب والدها عبد اللطيف بن حميدة كرسيّا متحركا و»لا حتى مائة فرنك» فقط غير زيارات مهرولة لبعض المرشدين الاجتماعيين. تعيش فريال في عزلة اجتماعية دون كرسيّ وبلا  إحاطة صحية ولا رعاية نفسية تصارع صحبة عائلتها قساوة الحياة وحيدة وسط بيئة اجتماعية صعبة ورغم المصائب حافظت فريال على ابتسامة مشعة لم يكسرها المرض.
طفولة مشرّدة
فادي الخمار الذي يبلغ  11 سنة  ينام صحبة والده المريض بالقلب والروماتيزم على حصير متسخ يتوسط منزلا متهالكا وهو يعاني من إعاقة ذهنية وصعوبة في النطق وحسبما أفادنا به والده محمد البوهالي الخمار فان فادي منقطع عن الدراسة ويقضي معظم وقته في التسكع بين الدكاكين والمقهى والحقول. قابلنا فادي حافي القدم ممزق الثياب وحاورنا بكلمات مبهمة سوف تكون تأشيرة عبوره إلى محفل «معتوه القرية» الذي سوف يضفي المزحة على رتابة العيش في قرية أولاد أحمد وقد عبر لنا والده المسن عن خشيته من حلكة المستقبل الذي ينتظر ابنه ولا سيما وأن ابنه لم يتعلم ولم يتسلح للحياة لا بعلم ولا بتعلم مبادئ مهنة تصون كرامته وتقيه غوائل الدهر.
مرض نادر
إليكم حكاية أكثر حزنا.. حكاية ذكرى (6 سنوات) وآدم الربيعي (4 سنوات) المصابين بمرض جيني نادر يتطلب نظاما غذائيا خاصا. لم يمكن الكشف الطبي المبكر من رصد المرض حسب أمهما التي ذكرت بأن الأطباء في مستشفى المهدية قد أكدوا لها في كل مرة بأن «الحالة عادية» رغم أن ذكرى قد تأخر نموها ولم يسعف قلب الأم الحرج على صحة ابنيها إلا مشاهدة برنامج تلفزي تعرض إلى أعراض المرض النادر. فطر قلب الأم وفي مستشفى الرابطة بالعاصمة أعلمها الأطباء بمرض ابنيها وهو مرض يتطلب حمية خاصة ذات تكاليف باهظة. لم تسعف ظروف العائلة الصعبة خاصة وأن الأب وهو عامل يومي تعرض أخيرا إلى حادث شغل من توفير الضروريات. والعبرات تخنقها وصفت أم ذكرى حالة ابنيها اللذين يشكوان من نقص في «الميزان والطول» لأن العائلة ذات الدخل المحدود غير قادرة على توفير الغذاء الخاص خاصة وأن الطفلين مجبران على تناول عجين غذائي خاص باهظ الثمن ولم يتكفل «الكنام» إلا بتوفير الحليب فقط. لا تقدر العائلة المحدودة الدخل على توفير مستلزمات الرعاية من تقويم نطق نظرا لبعد المسافة التي تفصلهم عن مركز الولاية والتي تناهز 60 كيلومترا. نزلت دموع الأم حارّة وهي تتحدث عن «عمر ذكرى المدرسي» ولكن ذكرى بنت الريف لم تنطق بعد ولم يكتمل نموها بعد وما يضجر الأم ويزعجها هو ألا يكون لابنيها نصيب من  لذة العلم والمعرفة مثل أندادهما.
شيخ ضرير بدون نور وموارد
باغت القدر الشيخ عمر بن بلقاسم الميساوي بأولاد  أحمد (شربان) وحمل معه ما أفسد سعادته..  التقنا بالشيخ على ضوء الشموع نظرا لأن منزله ذا الغرفة الوحيدة لم ينعم بالنور الكهربائي. صرح عمر لـنا عبر ترنيمة محبطة بأنه لا يملك لا عائلة موسعة ولا ما يباع ولا يشترى  باغته القدر بفقدان بصره فصار ضريرا لا يملك كلفة علاج عيونه. لم تمهل الدنيا وتد الخيمة العائلي حسب جيرانه ولم تسعفه أجهزة الدولة حسب روايته لا بإعانة ولا بمنحة شيخوخة ولم تتوفر له إلا بطاقة علاج لا تغني ولا تسمن من جوع حسب رأيه. لا يطلب السيد عمر  الفرج إلا من الله معبرا عن دهشته من أن يهان شيخ مثله ويصير مرميا يعاني من الظلم في زمن الثورة