دايم ربي يا فطارة !

الدّائم ربي يا فطّارة

مقال بقلم هيثم سليماني : " دايم ربي يا فطارة " هي جملة قد تعترضك متى أمضيت أيّاماً من شهر رمضان في تونس، تعبير باللهجة العامّية مضمونه الفصيح أن أيام الصيام القليلة ستمضي وسيبقى المُفطرون بذنبهم أمام ربّهم دائم الوجود.

وكغيرها من الدّول العربية والإسلاميّة، تشهد تونس كل سنة جدلاً حول التّصدّي للمُجاهرين بالإفطار، بين من يُطالب باحترام الدّستور الذي أقر حرّية المُعتقد والضّمير، وبين من يطالب باحترام شعور الصّائمين وعدم استفزازهم.

وكان وزير الدّاخليّة، الهادي مجدوب، قد أصدر في السادس من الشهر الجاري، قراراً بمنع المقاهي الموجودة داخل الأحياء السكنية والشعبية من فتح أبوابها أمام زبائنها نهاراً طيلة شهر رمضان، مُستثنياً المقاهي السياحية التي يُسمح لها بالعمل مع إلزامها بعدم استعمال الرصيف وتغطية شبابيك محلاتها منعا للجهر بالإفطار.

ورغم تراجع الضّجيج الذي كانت تثيره عمليات غلق المقاهي غير السياحية خلال رمضان، أثار إنشاء بعض النّشطاء صفحة على موقع فيسبوك وتطبيقاً للهاتف الجوال يحملان نفس الاسم؛ "فاطر"، ويتيح للمفطرين الاطلاع على المقاهي والمطاعم التي يمكن التوجّه لها، جدلاً؛ حيث اعتبره البعض استفزازاً.

في المُقابل، أطلق حزب الزيتونة، وهو أحد الأحزاب الصغيرة ويعلن تبنيه المرجعية الإسلامية، حملة للتصدّي إلى ظاهرة المُجاهرة بالإفطار في رمضان، من خلال تنفيذ ما أسماه "حملات ميدانية لمراقبة مدى احترام الشعب التونسي لفريضة الصيام إلى جانب مراقبة الإجراءات التي تتبعها الحكومة في التصدي لكل مظاهر الإخلال بالفرائض الإسلامية".

ويحرّض الحزب من خلال حملته على التقاط صور لمن يرتادون المحلات ثم نشرها للعلن على وسائل التواصل الاجتماعي في شكل عقوبة، وهو ما أثار انتقادات كثيرة.

ويقول النّاشط حسام الحجلاوي (35 سنة) إن إفطار رمضان في عمومه يُمكن اعتباره ظاهرة، لكن المُجاهرة به يكون ضمن حالات شاذة. ويعتبر في حديثه أن الإفطار كالصيام هو حرية شخصية، وأن الحرية تفقد معناها إذا تم فرض إخفائها، مُضيفاً أن الاعتبار الوحيد الذي يجب أن يحضر في هذا الملف هو اعتبار مراعاة الناس في مسألة تتعلّق بالاحترام وليس بالقانون.

ويتابع: "في الوضع الطبيعي، كل فرد حر في قناعاته، ومن حقه ممارستها دون أن يتعرّض للضغط، وللمجتمع لاحقاً القدرة على تعديل نفسه طبيعياً لتحقيق توازن مبني على الاحترام المُتبادل؛ التدخل أياً كان وضد أي كان لا يُمكن إلا أن يُؤدي للتطرّف والرّدود العنيفة".

ويرى عماد الدين حسني (28 سنة)، وهو أحد خريجي جامعة الزيتونة، أن الإفطار في رمضان يُعتبر ظاهرة متفشية لدى الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و24 سنة خاصّة في الأحياء الشعبية، بالإضافة لتفشيها في ما أسماها البرجوازية المُؤدلجة.

ويعتبر عماد أن المُطالبة بمُعاقبة المُجاهرين بالإفطار، بعيداً عن الجانب الشرعي، هو مطلب دستوري باعتبار أن الفصل السادس من الدستور التونسي ينص على أن "الدّولة راعية للدين حامية للمقدسات"، وأن المُجاهرة بالإفطار انتهاك لحرمة شهر مُقدّس وهو رمضان.

ويضيف: "أما في ما يخص حرية الضمير، فمن شاء فليفطر، فله ذلك هو حر في قناعاته وليس من حق أحد أن يجبر غيره على الصيام، إلا أنه على المُفطر في المُقابل احترام غيره وعدم المجاهرة بإفطاره في الأماكن العامة احتراما لمشاعر الأغلبية وتجنبا لما يُمكن أن يُثيره فعله من استفزاز قد يهدّد السلم الاجتماعي".

الصحفي " هيثم سليماني " تناول الموضوع من جانبه السوسيولوجي من خلال التوجّه لـ عبد الستار رجب، أستاذ علم الاجتماع بجامعة قرطاج وعضو جمعية الأنثروبولوجيا التونسية وعضو وحدة دراسة الظاهرة الدينية بكلية منوبة.

يقول رجب إن مفهوم الظاهرة حتى ينسحب على حدث اجتماعي يستوجب شرطين اثنين؛ الأول أن يشمل عدداً واسعاً من الأفراد، والثاني أن يتكرّر بشكل فيه دلالة. وإذا ما طبقنا هذا التعريف للظاهرة، يتابع، على موضوع المجاهرة بالإفطار، نجد أنه حين نطلق معنى الظاهرة على المجاهرة نكون قد بالغنا وجانبنا التوصيف السوسيولوجي لما يحدث. فالذي يحدث لا يرقى إلى أن نصفه بالظاهرة والأمر لا يتجاوز مجرد ممارسة لعدد من الافراد.

يضيف : "وما تجدر ملاحظته بخصوص شعيرة الصيام عند عموم التونسيين أنها ترقى عندهم إلى مرتبة الشعيرة الأولى من بين الشعائر، فترى كل أصناف الناس يحرصون على الصوم وحتى على الصلاة في شهر رمضان. وتبين كثير من الملاحظات الأنثروبولوجية أن التونسي يعطي قدسية مميزة لشهر رمضان وللصيام، فيمكن أن تجده غير حريص على أداء شعيرة الصلاة، ولكن في المقابل لا يتهاون مع الصوم. وليس الأمر على معنى التعبد المتفقه، بل هو نوع من العلاقة الوجدانية الخاصة بينه وبين خالقه يترجمه بنوع من الممارسة الدينية الاجتماعية التي أصبحت تصبغ المزاج الاجتماعي بما يجعلها ممارسة اجتماعية ثقافية تترسخ في مركوز وجداني ديني عميق".

ويشير عالم الاجتماع إلى أنه لا يوجد تصنيف إحصائي حسب الفئات العمرية أو حسب الجندر بخصوص هذه الممارسة، وأن الأخيرة لا تعدو أن تكون سلوكاً من عدد من الأفراد يعبر عن موقف ما من موضوع الصيام. قد يكون صعوبة في الاندماج ورغبة في عدم الامتثالية لثقافة سائدة في المجتمع ومهيمنة فيه بالاعتبار القيمي والمعياري. وهي محاولة لإثبات ذات تسعى إلى أن تغير في المعايير السائدة بطريقة فيها تباين عما يمثل خطاً ثقافياً عاماً للمجتمع، وفق تقديره.