المهدية : أستاذ تعليم ابتدائي نائب يبتكر « روبوت » يدرّس التلاميذ ويراقب حالتهم النفسية

المهدية : أستاذ تعليم ابتدائي نائب يبتكر « روبوت » يدرّس التلاميذ ويراقب حالتهم النفسية

ظلّ تلاميذ المدرسة الابتدائية بأولاد الشامخ من ولاية المهدية، يراقبون لأشهر معلمهم أستاذ التعليم الابتدائي، نور الدين بلعيد، وهو يصنع رجلا آليا من الخرداوات وبقايا الحواسيب المهشمة ليستغله كأداة تعليمية تعتمد أساسا على الذكاء الاصطناعي، وهاهم الآن يدخلون، كل صباح، فصل الدراسة ليلقوا التحية على معلمهم "الروبوت" فيردّ التحية ويراقب حالتهم النفسية ويحثهم على التباعد الجسدي بعد قيس المسافة التي تفصلهم عن بعضهم ويلفت انتباه من نسي ارتداء الكمامة الواقية.

الروبوت" يعرفهم فردا فردا فخياطبهم بأسمائهم، ويرصد نشاطهم ومشاركتهم في الفصل، ويراقب اكتئاب بعضهم وحزن أو فرح البعض، ويسجل كل ملاحظة في جدول بياني يستغله المعلم في حل مشاكل التلاميذ.

لا يكتفي هذا الرجل الآلي بالعناية الدقيقة بالتلاميذ، بل يقيّم نظافة القسم والمحيط، ويبدي ملاحظاته في حال استشعر أمرا بيئيا خطيرا على التلاميذ الذين باتوا يعتبرونه كائنا حيّا يتفاعلون معه بكل جوارحهم.

قد لا يصدق من يقرأ قصة هذا الابتكار بأن رجل تعليم تمكن من تصنيع وسيلة تعليمية بهذه الكفاءة وهذا التطور قبل أن يعلم أن نور الدين بلعيد مجاز في الهندسة المعمارية، وحاصل على أستاذية في تطوير الأنظمة الإعلامية، وماجستير في الاتصالات (تطوير البرامج)، ويتسعد لتقديم رسالة الدكتوراه في الذكاء الاصطناعي.

يؤكد بلعيد، أن الدافع الأساسي لهذا الابتكار يتمثّل في الرغبة في "تطوير طرق التعليم، وبناء روح المشاركة والتفاعل لدى التلاميذ مع تحفيزهم على الاختراع والابتكار، خاصة وأن المستقبل سيكون أساسا للذكاء الاصطناعي".

ويضيف محدثنا أن "الطرق التقليدية للتعليم والنظرة المعتادة للتلميذ على أنه وعاء غير تفاعلي لتخزين للمعلومات لم تعد قادرة على بناء جيل يؤمن بمواهبه وقدراته وطاقاته التي تمكّنه من صناعة مستقبل جيّد".

ويتابع "لم أنس التلاميذ الذين لا يملكون كفاءة الكتابة لذلك وضعت برنامجا خاصا في نفس "الروبوت" يمكّنهم من رسم الخطّ أمام الشاشة دون لمسها أي في الفضاء ليرشدهم المعلم الآلي على طرق تحسين خطهم".

ويعمل بلعيد في الوقت الراهن على اللمسات النهائية لتطوير نظّارة ذكية لفائدة المكفوفين تمكنهم من متابعة دروسهم بطريقة أيسر وتزيح العديد من العوائق التي تحول دون التحاقهم بشعب كانت تعدّ صعبة على فئتهم.

ولم يكتف محدّثنا بهذا فقط، بل أحدث إذاعة تعليمية على الواب، وقناة على اليوتوب، تمثل فضاء يستوعب فيديوات تعليمية يعدّها المربون لفائدة تلاميذهم وبما يساهم في تطوير مهارات المتلقي وتسهيل عملية الفهم.

يخفي كل هذا الجدّ والإصرار شابا اضطرته الظروف إلى العودة من العاصمة، حيث كان يعمل في مجال البناء، إلى مسقط رأسه بأولاد الشامخ بعد أن بات والده مقعدا وأمه مريضة لا تقوى على الحركة.

عمل بالعيد معلّما نائبا طيلة 6 سنوات متتالية لكنه لم يحظ، إلى حد الآن، بفرصة لتسوية وضعه المهني، بل كثيرا ما يعاني من تخلّف صرف أجره الشهري لشهور متتالية رغم ضيق الحال والتزاماته العائلية المكلفة.

رغم كل هذه العوائق لا يزال هذا المربي يجتهد من أجل تلاميذه ويرى فيهم أصدقاء ومساعدين، فيعلمهم بالمشاركة ويحثّهم على الاجتهاد، مؤكدا أن لا شيء قد يعيق الإرادة الصادقة على التميز.

المصدر (وات)