المهدية : عمادة السّعد - هل من لفتة لهذه المناطق المعزولة ؟؟

السعد السّعد Saad Mahdia

عندما تذكر جهة المهدية الساحلية، يتبادر إلى ذهن الكثيرين المناطق السياحية والشواطئ الذهبية برمالها ونقاء هوائها ونسائم بحرها العليل الذي يجود بأسماك شهية ومنتوج فلاحي يكفي لتحقيق الاكتفاء الذاتي لزهاء 400 ألف نسمة. 

كل هذه الخيرات تتبخر فيها الأماني والصور المغلوطة عن جهة ميزتها ريفية لأكثر من 70 في المائة من أهالي يقطنون أدغالا وأحراشا يصعب الوصول إليها أيام القرّ والحرّ على حدّ سواء، تحالف عليها عهدان بائدان وثمار ثورة يجني قطافها أصحاب الجاه والنفوذ.

مد تضامني متغيب

مئات القوافل التي عبرت من مختلف مناطق وربوع ولاية المهدية نحو أهالينا من المتضرّرين من موجات البرد وتهاطل الثلوج.. ولا من قافلة أرست برحلها في أرياف مترامية الأطراف لمناطق لا تبعد سوى مرمى حجر عن مقرّ المعتمدية ومركز ولاية المهدية، كعمادة السعد التي يناهز عدد سكانها أكثر من 4 آلاف ساكن موزعين في تجمعات سكنية ريفية وصلنا إليها عبر مسالك فلاحية وعرة تناساها الماسح الآلي ومعدات إدارة التجهيز والمرشدون الاجتماعيون للوقوف على حالات لا يصدّقها عقل ونعجز عن نقلها في صورة حية لواقع أليم ومهين في الآن ذاته، أصحابه في الحقيقة أحوج من غيرهم بقوافل مساعدات قد لا تكفي لمسح دموع الألم والقهر والغبن لمواطنين ضاق حالهم من تكدّر أوضاعهم الاجتماعية ؟

واقع مرير .. فهل من مجيب ؟

قد لا نبالغ في رسم ما واكبناه عبر عديد المناطق في الجهة لنأخذ عيّنة من «دوّار الكرارشة» حيث كانت ميزته صخب الأطفال المنتشرين في جوار «طوابي الهندي» يرعون بعض المواشي ، لنبادرهم بالسؤال حول ارتيادهم لمدارس التعليم من عدمه، لتكون المفاجأة بحجم معاناة هؤلاء ممّن انقطعوا عن التعليم كرها لضيق ذات اليد، لتبقى جموع منهم تكابد مشاق الطريق لقطع أكثر من 6 كلم نحو مدرسة المنصورية بالجواودة والحال أنّ واحدة مغلقة في منطقتهم منذ سنين طويلة لم يقع فتحها برغم النداءات والمكاتب الموجهة لأولي الأمر في العهدين البائدين وفي عهد الثورة الحالي، لنرى رأي العين، أطفالا حفاة أدمت الأشواك أقدامهم ومحفظات إن وجدت فهي بالية وأسمال ترتديها صبية على وقع موجة البرد التي عاشوها ولازالوا لتكون لمجاتهم فتات خبز يابس وبيضة سرقت في غفلة من بين أشواك السدر الدامية، ويسترعي انتباهنا بعض من صخب لصبيّ حان وقت ذهابه إلى المدرسة ولم يجفّ بعد سرواله، لنتدخل ونقف على عجب مفاده أنّه يتعذّر على الطفل «إيهاب» الالتحاق زوالا بالمدرسة وهو الذي جمّع كلّ المواد في كراس متهرئ في غياب كتب وحذاء وقميص قدّ من قبل ومن دبر ولم تسعه الرقع.. شأن رفاق درب له انقطعوا عن الدراسة لضيق ذات اليد ولتعمل الجمعية الخيرية التي صاحبناها على الاتصال بمدير إعدادية الحكايمة الغربية لإسعاف من انقطع عن الدراسة رحمة ورأفة بهم وبمستقبل مظلم يتربّص بهم، كظلمة الأماكن التي يسكنونها.

بقلم الإعلامي أيمن بن رحومة